بِقلم عبد الله جرادي

شريط « حبل السّرّه » من إخراج محمد ياسين الزعيري

يوم رأيتُ عينيكِ تحمرّان ثم تنهمران بالدموع، عانقتكِ فبكيتِ بين يديّ. حلّ الصمت ثم أخبرتِني بما حصل في بيتكم. اشتدّ ساعدي ورفضتُ إفلاتك من حضني …

كنت تقولين أنك لا تحبين أن تُختزَلي في كونك ”عابرة “،  وطالما رفضتُ تلخيصك في أي كلمة ، كنت أعي أنكِ أكثر من كلمة.

وأتذكر أنك تحبين فيلم « باريس تحترق ».  كنا نشاهده معا. واليوم شاهدتُ فيلما أظنكِ ستجدينه ملفتا للنظر. « حبل السّرّه » يتحدث عن عودة ليليا إلى بيتها بعد وهن والدها و عبورها جندريا.

ينطلق الفيلم من مشهد الصدمة، أولى مراحل الشجى  –  « طرَدنا علي، جاءتنا ليليا » –  إلى مشهد المطبخ. وهو مشهد أقل ما يقال عنه أنه من الكدر.  فبعد الصدمة يبدأ الرفض. يرفض عباس رؤية ليليا. طبعا، في هذه الحالة من انقلاب موازين القوى، تتغير ديناميكية السيطرة. بوَهَن عباس وقوة ليليا – أو بضعف علي وقوة العباس في الماضي. في كلتي الحالتين، نرى السيطرة والخضوع. وهو مفهوم ثنائي يأخذه الفيلم إلى درجات أخرى. كيف للمضطهَد أن يتعامل مع من اضطَهَده بعد أن انقلبت الموازين. وكيف تُسامح من تُحب بعد أن سبب لك الأذى؟ ذلك ما نراه في مشهد الغرفة: لقطات متقابلة ونظرات متفادية وحوارات عبثيّة غريبة تحاول فيها ليليا أن تعيدَ خط التواصل مع أبيها لكنها تفشل في ذلك نسبيا، فالنظر إليها أثقل مما يتحمله عباس.

أعود بكِ إلى ليلة العناق. ليلتَها تحاورنا حول مفهوم المغادرة والنسيان. وتعلمتُ منكِ أن الإنسان قادر على التفهّم. قد تسامحينهم ولكن النسيان بعيد عن المتوقَّع . ستفتح عودتكِ إليهم من جديدٍ عديدَ الجراح. وأتذكّر أنني ضحكتُ وقهقهتُ، لا من باب التهكم بل لأنه قد خطر ببالي ليلتَها أنكِ قنّينة فودكا باردة. قنينة جميلة وحلوة المذاق ولكن، في وجود الفتيلة، تصير الفودكا مولوتوف.  وهذا ما حصل في فيلم « حبل السرة ». فتيلة ليلة العصا، تلك العصا التي كُتبت عليها حروفُ الاسم الميت. عصا جعلت من ليليا تحقد حقدَ الشِّمِر وتشتعل اشتعال المولوتوف وتثور وتغضب ثم تخنق العباس .

هل ستهربين يا ليليا أم تختارين الصراع ؟ تبكي ليليا وترتجف. هل ستبكين وترتجفين عند عودتك ؟ أريدك أن تشاهدي فيلم « حبل السرة » عندما تعودين، لا لكلّ ما ذكرته حول الفيلم بل لمشهد النهاية. أريد رؤيتكِ وأنت تمزحين مع عائلتكِ… لا ككائن فضائي أو غريب عن البيت أو عابر سبيل … بل كاِبنتهم.