بِقلم أنيس قريعة

شريط « وديعة » من إخراج هادي كريسعان

ما إن نخرج من ضيق المنظور البنيوي للأفلام حتى نلقى أفقا أرحب يتيح لنا التوقف عند نقاط قد تبدو للوهلة الأولى ثانوية من منطلق منهجية التحليل الفيلمي.

في هذا السياق، يمكن أن يتحوّل الفعل السينمائي في حدّ ذاته إلى مادّة خصبة للتفكير، في حين ينزلق الفيلم بوصفه بنية سردية، مؤقتا، نحو الهامش.

قد يقودنا منهج التحليل لفيلم « الوديعة »، الذي ينطلق من مشهد واقعي لاستيلاء زمرة من المستوطنين الصهاينة على أرض عائلة فلسطينية، نحو تعداد آلي لهنات العمل ومكامن ضعفه في مختلف مستويات صناعة الأفلام الروائية، وخاصة مدى التوفق في ضمان مصداقية الوضعيات والديكورات والملابس وإتقان اللهجة من قبل الممثلين (اللهجة الفلسطينية تحديدا في هذا المثال). إلّا أنّ البقاء على مسافة أبعد من كل تلك العناصر الفيلمية كفيلٌ بجَعْلنا أكثر تغاضيا وبحَمْلنا على تدبّر ذلك الخيار الأساسي للمؤلف المتمثل في إعارة تراب وطنه وزيتونه مجازا لسرديّة يصعب تجسيدها في « ديكورها » الحقيقي في الظرف السياسي الراهن، وتسخير ما توفّر بين يديه من إمكانيات مادية وبشرية لخدمة تلك السردية. 

لعلّ ذلك التدبّر يعيدنا إلى تمثّل الفعل السينمائي في أحد أبعاده كحركة تضامنية غير مشروطة في خدمة القضايا العادلة التي قد ترفعها راهنيّتُها في لحظات فارقة من التاريخ إلى حالة من الأولوية القصوى، حتى في نظر مؤلف في بداية الطريق لا شكّ أنّ في دَلوه الكثيرَ من الحكايا الشخصية وينتمي إلى بلد تندر فيه فرص صناعة الأفلام. 

في الأمر ضرب من الإيثار لا ينبغي أن يعبر دون تثمين في دورة يُعلن المشرفون عليها من على كلّ المنابر تكريسها للقضية الفلسطينية بشكل خاص.